❷ سارعوا إلي ربكم وجنة

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)

الاثنين، 28 يونيو 2021

المسارعة


 

 

المجلدات



المسارعة 

عناصر الموضوع
مفهوم المسارعة
المسارعة في الاستعمال القرآني
الألفاظ ذات الصلة
أنواع المسارعة
مقام المسارعين في الخيرات وصفاتهم
ثواب المسارعين في الخيرات
المسارعة
مفهوم المسارعة
أولًا: المعنى اللغوي:
السين والراء والعين أصل صحيح يدل على خلاف البطء، وسرعان الناس: أوائلهم الذين يتقدمون سراعا، وتقول العرب، لسرعان ما صنعت كذا، أي ما أسرع ما صنعته 1.
والسرعة: نقيض البطء، والمتسرع: المبادر إلى الشر، وجاء سرعا: أي سريعا، والفرق بين السرعة والإسراع أن الإسراع فيه طلب وتكلف، وأما السرعة فكأنها غريزة، يقال: أسرع أي طلب ذلك من نفسه وتكلفه كأنه أسرع المشي أي عجله، وأما سرع فلان، فالمعنى أن السرعة فيه طبع وسجية.
وأسرع الرجل: سرعت دابته، أي: أخف، إذا كانت دابته خفيفة، وسرعان الخيل: أوائلها2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المسارعة: هي المبادرة إلى الطاعات والسبق إليها والاستعجال في أدائها وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها » 3.
ونجتهد في تحديد نوعي المسارعة المحمودة والمذمومة وذلك فيما يأتي:
المسارعة الممدوحة: هي المبادرة إلى فعل الخيرات والإسراع في ذلك، لنيل الأجر والثواب، والشعور بالسعادة والطمأنينة.
المسارعة المذمومة: هي المبادرة إلى فعل المنكرات والإكثار منها رغبة فيها، دون الخوف والخشية من عقاب الله وسخطه.
المسارعة في الاستعمال القرآني
ورد مادة (سر ع) في القرآن الكريم (٢٣) مرة4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة
عدد المرات
المثال
الفعل المضارع 
(
ﯨ ﯩ ) [الأنبياء:٩٠]
فعل الأمر 
(
ﭓ ﭔ ﭕ ) [آل عمران:١٣٣]
اسم تفضيل 
(
ﮉ) [الأنعام:٦٢]
صيغة مبالغة 
(
) [البقرة:٢٠٢]
وجاءت المسارعة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو المبادرة والعجلة، نقيض البطء5.
الألفاظ ذات الصلة
المسابقة:
المسابقة لغةً:
« السين والباء والقاف أصل واحد صحيح يدل على التقديم، يقال سبق يسبق سبقا، فأما السبق فهو الخطر الذي يأخذه السابق» 6.
المسابقة اصطلاحًا:
هي تسابق وتنافس بين شخصين أو عدة أشخاص للفوز أو للحصول على علو المرتبة.
وقيل: (التقدم والمبادرة وبذل غاية الجهد والطاقة بين متسابقين أو أكثر في أمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية لتحصيل السبق والفوز على الآخر) 7.
الصلة بين المسابقة والمسارعة:
يفرق بينهما بعدة أمور:
أن المسابقة متقدمة على المسارعة، وسابقة عليها؛ حيث إن أي سباق مهما كان نوعه ومسافته لا بد له من مرحلتين: الأولى: مرحلة السباق والانطلاق، والثانية: مرحلة الإسراع في السباق، فمثلًا السباق في الجري، عندما يبدأ الشوط الأول يتسابقون، وبعد فترة يسارعون في السباق، بأن يضاعف المتسابقون سرعتهم، ويتحولوا من مجرد مسابقة إلى المسارعة في المسابقة، وسنجد أن بعض المتسابقين قد يسقط في الطريق، ويخرج من السباق، ولا يصل إلى مرحلة المسارعة إلا أصحاب الطاقات والهمم والسرعات والعزائم، أولئك الذين لديهم زاد قوي يعينهم على إكمال أشواط المسارعة.
المسارعة أسمى درجة من المسابقة؛ حيث إن المسابقة تقتضي وجود قرين يسابق، فيجتهد المتسابق لتحصيل السبق، فيكون وجود القرين المسابق المخالف دافعًا لمزيد من بذل الجهد والسبق، أما المسارعة فتتعلق بذات العامل نفسه بقطع النظر عمن ينافسه في ذلك، فهو يجد ويجتهد أبلغ الاجتهاد لذاته، يحركه ما يراه من واجب عليه في ذات الأمر وهذا لا يكون إلا لمن علت همته وسمت اهتماماته8.
كما يلحظ في المسارعة خشية فوات الفرصة، كما يظهر فيها جانب ضيق الوقت خشية عدم إدراكه، فهو يسارع لذلك، وفي المقابل يلحظ في المسابقة ظهور النتيجة، وهي مادية واضحة 9.
(ج) يقول البقاعي مفرقًا بين فعلي «سابقوا» و«سارعوا»: (سابقوا: فعل من يسابق شخصًا فهو يسعى ويجتهد غاية الاجتهاد في سبقه، ولكن ربما كان قرينًا بطيئًا فسار هوينًا، أما المسارعة فلا تكون إلا بجهد النفس من الجانبين مع السرعة في العرف) 10.
وبهذا تتضح العلاقة بين المصطلحين، وإن كان كل منهما يفيد في مجمله المبادرة، وبذل قصارى الجد والاجتهاد في تحصيل أمر من الأمور، والله أعلم.
المبادرة:
المبادرة لغةً:
الباء والدال والراء، أصلان: أحدهما كمال الشيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلى الشيء، أما الأول فهو قولهم لكل شيء تم: بدر، وبدر، موضع يذكر ويؤنث، والأصل الآخر: قولهم بدرت إلى الشيء وبادرت، وإنما سمي الخطاء بادرة؛ لأنها تبدر من الإنسان عند حدة وغضب11.
المبادرة اصطلاحًا:
هي الإسراع إلى فعل الأشياء من تلقاء نفسه لتحقيق الهدف المنشود.
وقيل: هي (انطلاقة المؤمن ومسارعته إلى عمل صالح بحافز ذاتي من نفسه، بعد أن يتوافر في نفسه الميزان الأمين ليحدد العمل الصالح من سواه، وليطمئن إلى أنه لا يتجاوز حدوده، ولا يعتدي على غيره، ولا يدخل في فتنة تغضب الله تعالى) 12.
الصلة بين المسارعة والمبادرة:
المسارعة: اندفاع من الشخص اتجاه الشيء وقد يكون ذلك بدافع ذاتي أو عن منافسة، أما المبادرة: فقيام الشخص بفعل الشيء ولا يكون إلا بدافع ذاتي.
المنافسة:
المنافسة لغة:
مأخوذة من الفعل «نافس» يقال: نافس في الشيء منافسةً إذا رغب فيه على وجه المباراة في الكرم، وتنافسوا فيه أي رغبوا 13 أو مشتقة من النفاسة، يقال: شيءٌ نفيسٌ، أي ذو نفاسةٍ وخطر يتنافس به، والتنافس: أن يبرز كل واحدٍ من المتبارزين قوة نفسه14.
المنافسة اصطلاحًا:
هي قمة الاندفاع والمباراة بقوة بين الأشخاص للوصول إلى أعلى المراتب.
وقيل: مجاهدة النفس للتشبه بالأفاضل، واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على أحد15.
الصلة بين المسارعة والمنافسة:
المسارعة: الغالب فيها أنها تكون ظاهرة من قبل الشخص للإسراع إلى فعل الشيء، المنافسة: تكون ظاهرة وخفية من قبل الشخص للوصول إلى الشيء.
العجلة:
العجلة لغةً:
العين والجيم واللام أصلان صحيحان، يدل أحدهما على الإسراع، والآخر على بعض الحيوان، والجمع عجل وعجلات، والعجل والعجلة: خلاف البطء 16.
العجلة اصطلاحًا:
«هي طلب الشيء وتحريه قبل أوانه » 17.
وقال المناوي: «العجلة: فعل الشيء قبل وقته اللائق به»18.
الصلة بين المسارعة والعجلة:
المسارعة: «التقدم في ما ينبغي أن يتقدم فيه وهي محمودة ونقيضها مذموم وهو الإبطاء، والعجلة: التقدم في ما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة ونقيضها محمود وهو الأناة»19.
أنواع المسارعة
عند تأمل الآيات القرآنية التي تحدثت عن المسارعة لفظًا ومعنًا، نجدها ذكرت نوعين رئيسين:
أولًا: المسارعة الممدوحة:
جماع المسارعة الممدوحة يتمثل في المسارعة إلى كل ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه من الإيمان والتقوى، والأعمال الصالحة
« مع العلم أن المؤمنين في المسارعة على أقسام:
العابدون يسارعون بقدمهم في الطاعات.
والعارفون يسارعون بهممهم في القربات.
والعاصون يسارعون بندمهم بتجرع الحسرات.
فمن سارع بقدمه وجد مثوبته، ومن سارع بهممه وجد قربته، ومن سارع بندمه وجد رحمته» 20.
وقد ذكر القرآن الكريم صورًا من المسارعة الممدوحة، ومن ذلك:
المسارعة في الخيرات بعمومها.
المسارعة إلى الاستغفار والتوبة.
المسارعة للاستجابة والطاعة لأمر الله عز وجل.
المسارعة إلى أداء العبادات؛ كالصلاة والزكاة وغيرها.
ويتم الحديث عن كل صورة من هذه الصور، وذلك على النحو التالي:
أمرنا الله سبحانه وتعالى للمسارعة إلى فعل الصالحات، والمسابقة في عمل الخيرات.
قال تعالى: (
ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ ﭸﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ) [البقرة:١٤٨].
وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة والمسارعة في عمل الخير، قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسى كافرًاو يمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعرضٍ من الدنيا)21.
وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في المسارعةوالمبادرة وعدم التسويف، فعن عقبة قال: (صليت وراء النًبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، العصر، فسلم، ثم قام مسرعًا، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئًا من تبرٍ عندنا، فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته) 22.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)23.
وكذلك من سبقه من الأنبياء والرسل الصالحين الذين تحدث القرآن الكريم عن مسارعتهم إلى الخيرات، ومسارعتهم إلى تنفيذ الأمر الإلهي، وذلك ما قاله الله عز وجل في حق إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: (
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الصافات:١٠٢].
وعندما عجل موسى عليه السلام من أجل لقاء ربه سبحانه وتعالى طمعا في رضاه لقوله تعالى: (ﮟ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﮯ) [طه:٨٣-٨٤].
وقوله تعالى أيضًا: (
ﯔ ﯕ ﯖ ﯨ ﯩ ﯭﯮ ) [الأنبياء:٨٩-٩٠].
وقال فخر الدين الرازي في معنى قوله: (
ﯨ ﯩ ) أراد بها زكريا وولده وأهله فبين أنه آتاهم ما طلبوه وعضد بعضهم ببعضٍ من حيث كانت طريقتهم أنهم يسارعون في الخيرات، والمسارعة في طاعة الله تعالى من أكبر ما يمدح المرء به؛ لأنه يدل على حرصٍ عظيمٍ على الطاعة.
وقوله: (
) والمعنى: أنهم ضموا إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها أمرين: أحدهما: الفزع إلى الله تعالى لمكان الرغبة في ثوابه والرهبة في عقابه، والثاني: الخشوع وهو المخافة الثابتة في القلب، فيكون الخاشع هو الحذر الذي لا ينبسط في الأمور خوفا من الإثم 24.
وقيل: أي: « يبادرون في الطاعات، يعني: زكريا وامرأته ويحيى - عليهما السلام -ويقال: الأنبياء الذين سبق ذكرهم، وقوله: (
)، يعني: رغبة فيما عند الله من الثواب وهو الجنة، ورهبًا أي فزعا من عذاب الله تعالى، وكانوا لنا خاشعين، يعني: مطيعين، ويقال: متواضعين» 25.
ووصف الله عز وجل المؤمنين الصالحين المتقين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات ويتسابقون إلى فعلها دون تردد، ويستجيبون لأمره، ووصفه لهم في كتابه العزيز بمنزلة مدح وثناء عليهم، لقوله تعالى: (ﭜ ﭝ
ﭟ ﭠ ﭡ ) [المؤمنون:٦١].
وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮛ ﮜ) [الحديد:٢١].
وقوله تعالى أيضًا: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران:١٣٣].
والمعنى: (
ﭓ ﭔ ﭕ ) أي: سارعوا إلى التوبة من الربا، وقيل: وسارعوا بالأعمال الصالحة التي هي مغفرة لذنوبكم وإلى الجنة، وقيل: يعني سارعوا إلى النجاء الأكبر إلى الصف المقدم في الصلاة، وإلى الصف المقدم في القتال، وقيل: وسارعوا حتى لا تفوتكم تكبيرة الافتتاح 26.
بينما ذكر فخر الدين الرازي في كتابه أن الآية فيها مسائل:
المسألة الأولى: أطيعوا الله والرسول وسارعوا.
المسألة الثانية: وسارعوا إلى ما يوجب مغفرةً من ربكم، وللمفسرين فيه أقوال:
الأول: عن ابن عباسٍ قال: هو الإسلام
الثاني: عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال: هو أداء الفرائض.
الثالث: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه الإخلاص.
الرابع: عن أبي العالية قال: هو الهجرة.
الخامس: عن الضحاك ومحمد بن إسحاق: أنه الجهاد.
السادس: عن سعيد بن جبيرٍ: إنها التكبيرة الأولى.
السابع: قال عثمان رضي الله عنه: إنها الصلوات الخمس.
الثامن: قال عكرمة: إنها جميع الطاعات.
التاسع: قال الأصم: سارعوا، أي بادروا إلى التوبة من الربا والذنوب، والوجه فيه أنه تعالى نهى أولًا عن الربا، ثم قال: وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم فهذا يدل على أن المراد منه المسارعة في ترك ما تقدم النهي عنه، والأولى ما تقدم من وجوب حمله على أداء الواجبات والتوبة عن جميع المحظورات، لأن اللفظ عامٌ فلا وجه في تخصيصه 27.
فكان مدلول هذه الآيات الكريمة محركًا للمسارعة عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك في قصة غزوة بدر: لما دنا المشركون قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) فقال: عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: (نعم) قال: بخ بخ (كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك بخ بخ)؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءَ أن أكون من أهلها قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل 28.
فالمداومة على الأعمال الصالحة كلها تقوي الإيمان بالله سبحانه وتعالى فلا بد من الإكثار منها29.
المسارعة إلى الاستغفار والتوبة.
قال تعالى: (ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ ﭸ ﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ) [آل عمران:١٣٥].
فعلى الإنسان أن يسارع إلى ما فيه مغفرة الذنوب؛ من الاستغفار، كقوله: أستغفر الله، أو اللهم اغفر لي، أو اللهم إني أستغفرك، وما أشبه ذلك، وكذلك أيضًا: الإسراع إلى ما فيه المغفرة، مثل الوضوء، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان.
فكان الصحابة الأجلاء ممن يسارعون إلى طلب المغفرة والإكثار منها، وتجنب الذنوب خوفًا من فقدان رحمة الله ورضوانه، فلا بد أن نكون مثلهم في ذلك؛ لكثرة المغريات والملهيات من حولنا، فالحذر ثم الحذر.
المسارعة للاستجابة والطاعة لأمر الله عز وجل.
فغاية العبد نيل رضى الله عز وجل ومحبته، ولن تتحقق المحبة إلا بطاعة الله والاستجابة لأوامره.
قال تعالى: (
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران:٣١].
والمعنى:(ﭱ
) «أي تقصدون طاعته وترضون بشرائعه والمحبة على ضروب، فالمحبة من جهة الملاذ في المطعم والمشرب والنساء، والمحبة من الله لخلقه عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته ومغفرته وحسن الثناء عليهم، ومحبة الإنسان لله ولرسوله طاعته لهما ورضاه بما أمر الله به، وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم»30.
فمثلًا عندما دعاهم الله سبحانه وتعالى إلى الانفاق في سبيله، سارعوا إلى الإنفاق في سبيله.
قال تعالى: (
ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭧﭨ ﭩ ﭫ ﭬ) [آل عمران:١٣٤].
والله سبحانه وتعالى لم يبين في هذه الآية المقدار من الانفاق، ولكن في آيات أخرى بين ذلك في قوله تعالى: (
ﯷﯸ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة:٢١٩].
والمعنى: «لقد سألوا مرة: ماذا ينفقون؟ فكان الجواب في آية سابقة عن النوع والجهة، فأما هنا فجاء الجواب عن المقدار والدرجة، والعفو: الفضل والزيادة، فكل ما زاد على النفقة الشخصية في غير ترف ولا مخيلة فهو محل للإنفاق» 31.
وعندما دعاهم إلى الجهاد، سارعوا للجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، لقوله تعالى: (ﯖ
ﯨ ﯩ ﯯﯰ ﯵﯶ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [التوبة:١١١].
وقد ضرب لنا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في المسارعة الى الجهاد في سبيله، متمثلًا في موقف الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: (أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال:(في الجنة)، فألقى تمرات كن في يده، ثم قاتل حتى قتل) 32.
هؤلاء هم الصحابة الأجلاء لا يلهيهم متاع الدنيا وشهواتها، بل يسعون إلى ما هو أفضل وأحسن ألا وهي الجنان 33.
المسارعة إلى أداء العبادات من صلاة وزكاة وغيرها الكثير.
مما يدلل أن ديننا له سبله المتنوعة وطرقه المتشعبة والمتعددة أمام عباد الله، لنيل ما يتمنونه من الثواب الجزيل، مثلًا من وجد شخصًا يريد أن يحمل على دابته شيئًا، فساعده على حمله، أو أمسك دابته فهو صدقة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الطيبة تشمل كل قول يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى به، فالأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، وبكل تسبيحة أو تكبيرة أو تهليلة صدقة، وتعليم العلم النافع صدقة، وابتداء السلام ورده صدقة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم بكل خطوة يخطوها العبد إلى الصلاة صدقة، وكلما بعدت طريق الصلاة كانت الصدقات أكثر، وهذا من أكبر فضائل صلاة الجماعة في المساجد، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إزالة الأذى عن الطريق صدقة، فمن عزل حجرًا أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، فذلك صدقة يثاب عليها ويؤجر.
فمن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة)34، وفي رواية: (لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة أي: يروح فيها ويجيء كما شاء، من شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس) 35.
وفي رواية: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له، فغفر له) 36.
ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله والإحسان إلى عباد الله، فسوف يلقى الذكر الطيب في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة إن شاء الله، لقوله تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜ ﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭧ ﭨ ﭩ ﭫ ﭬ ﭭ) [النساء:١١٤].37.
إذًا طرق الخير والنفع كثيرةٌ متاحةٌ للجميع،ولكن أين السالكون؟ وأين السائرون؟
وأبواب البر متعددةٌ، ولكن أين المتسارعون إليها؟ وأين الطارقون لها؟
ويستفاد من ذلك: أن يكون الإنسان حريصًا كل الحرص على فعل الخيرات، والمسارعة إليها؛ فالعمر قصير، والأجل قريب، ونحن لا ندري متى يأتي الموت، إذًا فالمسارعة إلى الخيرات، والمبادرة إلى الطاعات، والمسابقة إلي الصالحات، المؤديات إلى الفلاح والنجاة ثم إلى الجنات.
ثانيًا: المسارعة المذمومة:
هذا النوع من المسارعة الذي ذم الله عز وجل فعله، والاتصاف به بل أنه حذر من اتباعه؛ وذلك لما يترتب عليه من عواقب وخيمة ومهلكة للإنسان في الدنيا والآخرة، وقد ذكر القرآن الكريم ثلاث صور للمسارعة المذمومة، فالباقي تدور حولها، وتتفرع عنها، وهي على النحو التالي:
المسارعة في الكفر.
الكفر بالله من أكبر الكبائر التي حذرنا الله سبحانه وتعالى منها، وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم لأن الإنسان بذلك يكون قد ظلم نفسه، بإيقاعها في سخط الله وغضبه، وزجها في نار جهنم -والعياذ بالله -وكيف الحال مع المسارعين إليها ؟ يتم توضيح ذلك على النحو التالي:
قال تعالى: (
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳﭴ ﭵ ﭷ ﭸ ﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮇ) [آل عمران:١٧٦].
لا بد من العلم أن الله سبحانه وتعالى لما بين بعض التكاليف والشرائع، وكان قد علم أن بعض الناس ستسارع إلى الكفر، لا جرم أنه صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحمل ذلك، وأمره بأن لا يحزن لأجل ذلك أي: لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفران في موالاة الكفار، فإنهم لن يعجزوا الله شيئًا 38.
وذكر جمال الدين الجوزي أن معنى:(ﭰ ﭱ
ﭳ) فيها أربعة أقوال:
أحدها: أنهم المنافقون، ورؤساء اليهود.
والثاني: المنافقون.
والثالث: كفار قريش.
والرابع: قوم ارتدوا عن الإسلام.
وقيل: معنى مسارعتهم في الكفر: مظاهرتهم للكفار، ونصرهم إياهم، فإن قيل: كيف لا يحزنه المسارعة في الكفر؟
فالجواب: لا يحزنك فعلهم، فإنك منصور عليهم.
وقوله:(ﭵ
ﭷ ﭸ ﭹ) فيها قولان:
أحدهما: لن ينقصوا الله شيئًا بكفرهم.
والثاني: لن يضروا أولياء الله شيئًا 39.
وقيل: المراد بالموصول في قوله:(ﭰ ﭱ
ﭳ) المنافقون من المتخلفين، وطائفةٌ من اليهود حسبما عين في قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮗ ﮘ ﮙ ﮛ ﮜ ﮝ ) [المائدة:٤١].
وقيل: قوم ارتدوا عن الإسلام والتعبير عنهم بذلك للإشارة بما في حيز الصلة إلى مظنة وجود المنهي عنه واعترائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: لا يحزنوك بمسارعتهم في الكفر ومبادرتهم إلى تمشية أحكامه ومظاهرتهم لأهله وتوجيه النهي إلى جهتهم مع أن المقصود نهيه عليه الصلاة والسلام عن التأثر منهم للمبالغة في ذلك لما أن النهي عن التأثير نهيٌ عن التأثر بأصله ونفيٌ له بالمرة 40.
وقوله: (ﭻ ﭼ ﭽ
ﭿ ﮀ ﮁ ) هذه الآية حجة عليهم، لأن إرادة الله عز وجل في حرمان حظهم من الآخرة حائلة بينهم وبين المسارعة إلى الإيمان الذي ينمي لهم حظ الآخرة، وكيف يقدرون أن يكتسبوا بالطاعة حظ الآخرة، والله يريد ألا يجعله لهم، وهذا من العدل الذي لا يحيطون بمعرفته فيتصور عندهم بصورة الجور 41.
والمعنى: «أن الله عز وجل بين ما يعود عليهم من الوبال، نتيجة مسارعتهم في الكفر، وذلك (ﭽ
ﭿ ﮀ ﮁ ) أي: نصيبًا من الثواب، ولهم بدل الثواب عذابٌ عظيمٌ، وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه » 42.
وأين الفائدة في ذكر الإرادة ؟ قلت: فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصًا لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر تنبيهًا على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية حتى إن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم43.
وقوله: (
) أي:« لا يقادر قدره قيل ما دلت المسارعة في الشيء على عظم شأنه وجلالة قدره عند المسارع وصف عذابه بالعظم رعايةً للمناسبة وتنبيهًا على حقارة ما سارعوا فيه وخساسته في نفسه، والجملة إما مبتدأةٌ مبينةٌ لحظهم من العقاب إثر بيان أن لا شيء لهم من الثواب، وإما حالٌ من الضمير في لهم أي يريد الله سبحانه وتعالى حرمانهم من الثواب معدًا لهم عذابٌ عظيم» 44.
إذًا لا يظنون بأنه سينجون من عقابه سبحانه وتعالى وأن ما يمليه لهم الله عز وجل خيرا لهم، بل وبالًا عليهم.
قال تعالى: (ﮕ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮛ ﮜ ﮝ ﮣﮤ ﮧ ﮨ) [آل عمران:١٧٨].
وبعد أن بين الله عز وجل حكم أولئك الذين يسارعون إلى نصرة الكفر والدفاع دونه ومقاومة المؤمنين لأجله، وأرشد إلى أنه لا يهتم بشأنهم، فهم إنما يحاربون الله والله غالب على أمره، أشار هنا إلى أن هذا حكم عام يشمل كل من آثر الكفر على الإيمان واستبدله به، فقال تعالى: (
ﮏ ﮐ ﮑ ﮓ ﮔ) [آل عمران:١٧٧]45.
والمعنى: قال كثير من المفسرين: إن هذه الآية في معنى الآية الأولى من سورة آل عمران السابقة الذكر، وقد أعيدت تأكيدًا، والصحيح أن الأول ذمٌ للذين تحروا الكفر وتزايدوا فيه متسارعين، وهذه الآية ذمٌ لمن حصل له الإيمان فأفرج عنه ؟؟
واستبدل به كفرًا، وهم الذين وصفهم بالارتداد على أعقابهم، وذم لمن مكن من الإيمان فرغب عنه، وآثر الكفر عليه، فصار كالبائع إيمانه بكفر 46.
وهؤلاء لهم عذاب شديد من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة نار جهنم والعياذ بالله، والله سبحانه وتعالى سريع في حسابهم، لا يصرفه شيءٌ عن إلحاق العقاب بهم، لقوله تعالى: (
ﮏ ﮐ ﮑ ﮓ) [آل عمران:١٩].
أي: أن الله سبحانه وتعالى هدد بأنه من كفر بآيات الله التكوينية في الأنفس والآفاق، والآيات الدالة على وجوده وتوحيده وصدق أنبيائه، وأنكر وجحد ما أنزل الله عز وجل في كتابه مما يوجب الاعتصام بالدين ووحدته، فإنه ظلم نفسه، والله عز وجل سيجازيه على ذلك، ويحاسبه على تكذيبه، ويعاقبه على مخالفته كتابه، وهو سريع الحساب وشديد العقاب 47.
«وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها: سرعة مجيء القيامة، والحساب إذ هي متيقنة الوقوع، فكل آت قريب.
ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب: أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علمًا لا يحتاج إلى عد ولا فكرة»48.
ويستفاد من ذلك: الإيمان نجاة، والكفر ضياع، فأيهما تختار؟
المسارعة في الإثم والعدوان.
ومن الصفات المذمومة أيضًا الاتصاف بالإثم والعدوان ومعصية الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم والمسارعة إلى التحلي بها وفعلها والاكثار منها، فبئس ما اتصفوا به، وسارعوا إليه، ويتم بيان ذلك وتوضيحه على النحو التالي:
قال الله تعالى ناعيًا على اليهود: (
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬﮭ ﯔ ﯕ ﯖ ) [المائدة:٦٢-٦٣].
والمعنى: المسارعة في الشيء: الشروع فيه بسرعةٍ، قيل: الإثم الكذب، والعدوان الظلم، وقيل: الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم، وأما أكل السحت فهو: أخذ الرشوة، وفي الآية فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى قال: (
)، والسبب: أن كلهم ما كان يفعل ذلك، بل كان بعضهم يستحيي فيترك.
الفائدة الثانية: أن لفظ المسارعة إنما يستعمل في أكثر الأمر في الخير، لقوله تعالى: (
ﯨ) [آل عمران:١١٤].
وقوله أيضًا: (
) [المؤمنون:٥٦].
فكان اللائق بهذا الموضع لفظ العجلة، إلا أنه تعالى ذكر لفظ المسارعة لفائدةٍ، وهي أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات كأنها خيرات في نظرهم، ومحقون فيها، فجاء التعبير موافقًا لحالهم ومفهومهم، وذلك من أسرار البيان في القرآن الكريم.
الفائدة الثالثة: لفظ الإثم يتناول جميع المعاصي والمنهيات، فلما ذكر الله تعالى بعده العدوان وأكل السحت دل هذا على أن هذين النوعين أعظم أنواع المعصية والإثم49.
«والربانيون علماء أهل الإنجيل، والأحبار علماء أهل التوراة، وقال غيره: كلهم في اليهود؛ لأنه متصل بذكرهم، والمعنى: أن الله استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي، وذلك يدل على أن ترك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه؛ لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظٍ واحدٍ، بل نقول: إن ذم تارك النهي عن الـمنكر أقوى؛ لأنه قال في المقدمين على الإثم والعدوان وأكلهم السحت.
قال تعالى: (
ﮱ) [المائدة:٦٢].
وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر:(
ﯡ) والصنع أقوى من العمل؛ فإنما العمل يسمى صناعةً، إذا صار مستقرًا راسخًا متمكنًا»50.
ويذكر علي الشحود في كتابه: أن الله سبحانه وتعالى ينحي باللائمة على الربانيين والأحبار، الساكتين على المسارعة في الإثم والعدوان وأكل السحت، الذين لا يقومون بحق ما استحفظوا عليه من كتاب الله، وإنه لصوت النذير لكل أهل دين، فصلاح المجتمع أو فساده رهن بقيام الحفظة على الشريعة والعلم فيه بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر يقتضي سلطة تأمر وتنهى، وكذلك ينبغي أن يحصل الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر على السلطان الذي يجعل لأمرهم ونهيهم قيمته في المجتمع فلا يكون مطلق كلام ! وكنموذج من قولهم الإثم في أبشع صوره يحكي القرآن الكريم قول اليهود اللئيم فقال: (ﯣ
ﯨ ﯩ ﯭﯮ ) [المائدة:٦٤].
وذلك من سوء تصور اليهود لله سبحانه وتعالى وهناك الكثير مما حكى القرآن الكريم عن سوء تصورهم ذاك، وكأن القوم يتسابقون تسابقًا في الإثم والعدوان، وأكل الحرام، وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع، ويتسابقون في ذلك قويهم وضعيفهم سواء، فكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام، ويستنكر الله عز وجل سكوت الربانيين القائمين على الشريعة، والأحبار القائمين على أمر العلم الديني، عن مسارعة القوم في ذلك، وهذا ما وصفهم الله عز وجل بهم في كتابه الكريم فيقول: (ﭼ ﭽ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮇ) [المائدة:٧٩].
وفعلهم ذاك على العكس تمامًا من سمة المجتمع الخير الفاضل الحي القوي المتماسك الذي يسود فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 51.
المسارعة في النفاق.
هذه الصفة المذمومة من الصفات التي يتصف بها أصحاب القلوب المريضة والضعيفة، ببعدها عن دين الله وشريعته، وهؤلاء ذكرهم الله عز وجل وفضحهم، لسوء ما يقومون به، ويسارعون إلى فعله، من أجل أخذ الحيطة والحذر منهم، ويتم بيان ذلك على النحو التالي.
فالله سبحانه وتعالى ينهى عن موالاة اليهود والنصارى، ولكن المنافقين أبوا إلا أن يتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ولم ينتهوا عن ذلك، لقوله تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ) [المائدة:٥١].
«جاء عبادة بن الصامت فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثيرٌ عددهم حاضرٌ نصرهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية اليهود، وآوي إلى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبيٍ: إني رجلٌ أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا الحباب ما بخلت به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه)، فقال: قد قبلت، فأنزل الله تعالى فيهما: (
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ) إلى قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ) يعني عبد الله بن أبيٍ () في ولايتهم(ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ) أي مصيبة» 52.
وبين الله سبحانه وتعالى حرصهم على المسارعة والاجتهاد في ولاء اليهود والنصارى، في قوله تعالى: (ﭬ ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭷﭸ ﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮉ) [المائدة:٥٢].
والمعنى: « لما نهى الله عز وجل المؤمنين عن توليهم في الآيات السابقة لها، أخبر أن ممن يدعي الإيمان طائفةً تواليهم، فقال: (ﭬ ﭭ
ﭯ ﭰ) أي: شك ونفاق، وضعف إيمان، يقولون: إن تولينا إياهم للحاجة » 53.
وقوله:(ﭱ
) أي في مودة اليهود والنصارى وموالاتهم ومناصحتهم؛ لأنهم كانوا أهل ثروة ويسار يخالطونهم ويغشونهم لأجل ذلك نزلت في ابن أبي المنافق وأصحابه، وجعل المسارعة في موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة في بيان رغبتهم في ذلك حتى كأنهم مستقرون فيهم داخلون في عدادهم.
وقوله: (ﭳ ﭴ ﭵ
ﭷ) جملة مشتملة على تعليل المسارعة في الموالاة أي: أن هذه الخشية هي الحاملة لهم على المسارعة، والدائرة يعني: ما يدور من مكابرة الدهر ودوائره كالدولة التي تزول، أي يقول المنافقون إنما نخالط اليهود؛ لأننا نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه وهو الهزيمة في الحرب، والقحط، والجدب، والحوادث المخوفة.
وقيل: نخشى أن لا يتم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فيدور علينا الأمر كما كان قبل محمد، يعني نخشى أن يظفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فتكون الدولة لهم فيصيبنا منهم مكروه.
وهذا سوء ظن منهم بالإسلام، فقال الله سبحانه وتعالى رادًا لظنهم السيء:(ﭹ
ﭻ ﭼ ﭽ) وجاء في هذه الآية تهديد للمستنصرين بأعداء دينهم، المتألبين عليهم، المنافقين الذين لا يخلصون لله اعتقادهم ولا ولاءهم ولا اعتمادهم..، وجاءت أيضًا ردًا عليهم ودفعًا لما وقع لهم من الخشية، وعسى في كلام الله سبحانه وعد صادق لا يتخلف، وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو كلمته، ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة وسبى ذراريهم وإجلاء بني النضير.
وقيل: هو فتح بلاد المشركين على المسلمين.
وقيل: فتح مكة، أي فيبدو الاستغناء عن اليهود، ويرى المنافق أن الله لم يوجد سبيلًا إلى ما كان يؤمل فيهم من المعونة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته فيندم حينئذ على ما حصل فيه من محادة الشرع، وتجلل ثوب المقت من الله تعالى ومن رسوله عليه السلام والمؤمنين كالذي وقع وظهر بعد.
وقوله: (
ﭿ ﮀ ﮁ) هو كل ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم، وقيل: هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما أسروا في أنفسهم، وأمره بقتلهم، وقيل: هو الجزية التي جعلها الله عليهم، وقيل: الخصب والسعة للمسلمين، وقال () أي: المنافقون، وقوله:(ﮃ ﮇ) من النفاق الحامل لهم على الموالاة () على ذلك لبطلان الأسباب التي تخيلوها وانكشاف خلافها 54.
مقام المسارعين في الخيرات وصفاتهم
بين الله عز وجل في كتابه العزيز مقام هؤلاء المسارعين في الخيرات، والمكثرين لفعلها، بما هم فيه من نعيم وثواب جزيل، وكذلك ذكر الصفات النبيلة والحميدة التي اتصفوا بها؛ ليعتبر أولوا الألباب لفعل الخيرات قبل ضياع الأوقات، وذهاب الحسنات، ويتم بيان ذلك على النحو الآتي:
أولًا: مقام المسارعين في الخيرات:
هم في مقامٍ عالٍ عند مليكٍ مقتدر، يستحقونه وينالونه جزاء أعمالهم الخيرة، فهم في جنات النعيم، لقوله تعالى: (ﮘ ﮙ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮧ ﮨ ﮩ) [المطففين:١٨ -٢١].
والمعنى: أنه أريد بالأبرار: هم الذين آمنوا؛ فلذلك قيل: بأن الأبرار هم المؤمنون.
والبر هو الذي يكثر منه تعاطي فعل البر، فسمي: بارا؛ إذا كثر منه البر، وقوله:(ﮧ ﮨ) ذكر شهود المقربين في ذكر كتاب الأبرار، فجائز أن يكون شهودهم على التعظيم لعملهم، والدعاء لهم، وغير ذلك، وقيل: المقربون: هم مقربو أهل كل سماء55.
وقوله تعالى: (ﯖ
ﯟ) [الواقعة:١٠-١٢].
والمعنى: «السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله، وقوله:(
ﯚ) من صفتهم، وقيل: إذا خرج رجلٌ من السابقين المقربين من منزله في الجنة كان له ضوءٌ يعرفه به من دونه» 56.
فالله سبحانه وتعالى أكرمهم بالإقامة بالجنة يتنعمون بنعيمها الدائم دون مشقة ولا تعب، فلا يجدون فيها إلا كل خير، لقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮥ) [فاطر:٣٥].
والمعنى: «دار المقامة هي الجنة، والمقامة هي الإقامة، والموضع؛ وإنما سميت الجنة دار المقامة، لأنهم يقيمون فيها ولا يخرجون منها، وقال تعالى:(ﮝ
) والنصب: تعب البدن، وقوله:(ﮡ ) واللغوب: تعب النفس، اللازم عن تعب البدن» 57.
وقال النسفي في معنى قوله:(ﮗ ﮘ ﮙ
) أي الإقامة لا نبرح ولا نفارقها، يقال: أقمت إقامة ومقامًا ومقامة، وقوله:(ﮛ ﮜ) من عطائه وأفضاله لا باستحقاقنا، وقوله:(ﮝ ) تعب ومشقة، وقوله:(ﮡ ) إعياء من التعب 58.
اللهم اجعلنا من أهل هذه المقامات العالية، في جنات غير فانية، برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثانيًا: صفات المسارعين في الخيرات:
ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المسارعين في الخيرات في كتابه العزيز في صورةٍ واضحةٍ وبارزةٍ، لكل قارئ وسامع ومعتبر، لأخذ العبرة والعظة، والاتصاف بهذه الصفات، لنيل رضى الله سبحانه وتعالى ورحمته، ويكون من الصالحين المتقين، وبيان ذلك على النحو التالي:
من الصفات التي اتصف بها المسارعون في الخيرات هي:
اتصفوا بالصلاح والتقوى وفعل الخيرات.
لقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ
ﯔ ﯕ ﯖ ﯨ ﯩ ) [آل عمران:١١٣-١١٤].
الله سبحانه وتعالى مدح الأمة المذكورة في هذه الآية بصفات ثمان وصفهم بها ما كانت في اليهود ولا في غيرهم وهى:
الصفة الأولى: أنها قائمة، قيل: أي في الصلاة، وقيل: ثابتة على التمسك بدين الحق ملازمة له غير مضطربة.
وقيل: أي مستقيمة عادلة، والآية دلت على أن المسلم قائم بحق العبودية، وقوله تعالى: (
ﭯ) [آل عمران:١٨].
دل على أن المولى قام بحق الربوبية، وهذه حقيقة قوله: (ﭷ ﭸ ﭹ
) [البقرة:٤٠].
الصفة الثانية: (ﯕ) أي: أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل، فالتلاوة القراءة، وأصل الكلمة الاتباع، فكأن التلاوة هي اتباع اللفظ، وآيات الله القرآن.
الصفة الثالثة: (ﯚ
) يحتمل أن يكون حالا من يتلون، كأنهم يقرأون في القرآن السجدة تخشعًا، أو أن يكون كلامًا مستقلًا أي: يقومون تارة ويسجدون أخرى، ويبتغون الفضل والرحمة بكل ما يمكن، كقوله: (ﯟ ) [الفرقان:٦٤].
وعلى هذين الاحتمالين لا منع من كونه حالا.
الصفة الرابعة: (
) فالصفات المتقدمة إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية، وهذه إشارة إلى كمالهم بحسب القوة النظرية، فإن حاصل المعارف معرفة المبدأ والمعاد.
الصفة الخامسة والسادسة: (ﯡ
ﯥ) وهاتان الصفتان إشارة إلى أنهم فوق التمام؛ وذلك لسعيهم في تكميل الناقصين بإرشادهم إلى ما ينبغي ومنعهم عما لا ينبغي.
الصفة السابعة: (
ﯨ) أي: المذكورات كلها وهي من صفات المدح؛ لأن المسارعة في الخير دليل فرط الرغبة فيه حتى لا يفوت ففي التأخير آفات.
الصفة الثامنة: (ﯩ
) هذه إشارةٌ إلى من جمع هذه الصفات كلها، أي: وأولئك الموصوفون بتلك الأوصاف من الذين صلحت أحوالهم عند الله، ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين، والأمور بخواتيمها والعاقبة غير معلومة إلا في علم الله تعالى فإذا أخبر عنهم بانخراطهم في سلك الصالحين فذلك المقصود وقصارى المجهود 59.
قلوبهم مليئة بالخشية والخوف من الله.
قال تعالى: (
ﯨ ﯩ ﯭﯮ ) [الأنبياء:٩٠].
ومعنى قوله: (
)، يعني: رغبة فيما عند الله من الثواب وهو الجنة، ورهبًا أي فزعًا من عذاب الله تعالى، وكانوا لنا خاشعين، يعني: مطيعين، ويقال: متواضعين» 60.
وقوله تعالى أيضًا: (
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [المؤمنون:٥٧ -٥٩].
والمعنى: لما ذم الله سبحانه وتعالى المشركين وتوعدهم عقب ذلك بمدح المؤمنين وذكرهم بأبلغ صفاتهم، فقال: (
ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) أي: هم من جلال الله وعظمته خائفون، ومن خوف عذابه حذرون، وقوله: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) أي: يصدقون بآيات الله القرآنية، وآياته الكونية وهي البراهين الدالة على وجوده سبحانه.
وقوله: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) أي: لا يعبدون معه غيره، بل يوحدونه ويخلصون العمل لوجهه، وقيل: ليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشريك لله فإن ذلك داخل في الآية السابقة، بل المراد منه نفي الشرك الخفي وذلك بأن يخلص في العبادة لوجه الله عز وجل وطلبًا لرضوانه 61.
عدم الثقة في قبول العمل والخوف من أن يرد.
قال تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜ ﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ) [المؤمنون:٦٠-٦١].
والمعنى: من الآيات الكريمة في سورة المؤمنون والتي أشرنا إليها سابقًا، يبدو فيها أثر الإيمان في القلب، من الحساسية والإرهاف والتحرج، والتطلع إلى الكمال، وحساب العواقب، مهما ينهض بالواجبات والتكاليف.
فهؤلاء المؤمنون يشفقون من ربهم خشية وتقوى وهم يؤمنون بآياته، ولا يشركون به، وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم، وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا، ومع ذلك كله، (
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ) لإحساسهم بالتقصير في جانب الله، بعد أن بذلوا ما في طوقهم، وهو في نظرهم قليل.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ) هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال:(لا يا بنت الصديق ! ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل) 62.
إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه، ويحس آلاءه في كل نفس وكل نبضة.. ومن ثم يستصغر كل عباداته، ويستقل كل طاعاته، إلى جانب آلاء الله ونعمائه، كذلك هو يستشعر بكل ذرة فيه جلال الله وعظمته ويرقب بكل مشاعره يد الله في كل شيء من حوله.. ومن ثم يشعر بالهيبة، ويشعر بالوجل، ويشفق أن يلقى الله وهو مقصر في حقه، لم يوفه حقه عبادة وطاعة ولم يقارب أياديه عليه معرفة وشكرا، وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات، وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة، بهذه اليقظة، وبهذا التطلع، وبهذا العمل، وبهذه الطاعة 63.
ويقول ابن عباس: هذه الآيات بما ذكرته من الصفات التي يتصفون بها من فعل الخيرات، بأن يعطوا ما أعطوا من الصدقة، وينفقوا ما أنفقوا من المال في سبيل الله، ويقال: يعملون ما عملوا من الخيرات، ومع ذلك قلوبهم خائفة أنهم إلى ربهم راجعون في الآخرة فلا يقبل منهم 64.
الإنفاق في سبيل الله والعفو عن الناس.
وهذه صفتان اتصف به هؤلاء، لقوله تعالى: (
ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ ﭧﭨ ﭩ ﭫ ﭬ) [آل عمران:١٣٤].
والمعنى: (
ﭟ ﭠ ﭡ) أي: في حال الرخاء واليسر، () أي: في حال الضيقة والعسر، وإنما افتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شيء على النفس، فمخالفتها فيه منقبة شامخة، وقوله:(ﭣ ﭤ) أي: الممسكين عليه في نفوسهم، الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه، اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه، وقوله:(ﭥ ﭧ) أي: ظلمهم لهم، ولو كانوا قد قتلوا منهم، فلا يؤاخذون أحدا بما يجني عليهم، ولا يبقى في أنفسهم موجدة، كما قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮗ) [الشورى:٣٧].
وقوله: (ﭩ
) عبر عنهم بالمحسنين إيذانًا بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذي هو الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها 65.
إذا عصوا سرعان ما يتوبون.
كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولا معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المسارع إلى الخيرات إذا عصى الله سبحانه وتعالى تذكر فخاف، وأقلع وأناب إلى رب الأرباب.
قال تعالى: (ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ ﭸ ﭹ ﭻ ﭼ ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ) [آل عمران:١٣٥].
اغتنام الكنوز الربانية.
يغتنم المسارعون في الخيرات كل ما يجلب لهم الأجر والثواب، وكثرة الحسنات، كالتكبير والحمد والتسبيح والتهليل وكثير من أوجه الخير، فمثلًا الاسراع إلى حمد الله سبحانه وتعالى وشكره على نعمه ورحمته بهم.
قال تعالى: (
ﮏ ﮐﮑ ﮓ ﮔ ﮕ ) [فاطر:٣٤].
والمعنى: « أنهم لما أعطوا ما أعطوه زال عنهم ما كانوا فيه قبل من هول الموقف ومن خشية العقاب بالنسبة للسابقين والمقتصدين ومما كانوا فيه من عقابٍ بالنسبة لظالمي أنفسهم، وجملة (
ﮓ ﮔ ﮕ) استئناف ثناءٍ على الله شكروا به نعمة السلامة، أثنوا عليه بالمغفرة لما تجاوز عما اقترفوه من اللمم وحديث الأنفس ونحو ذلك مما تجاوز الله عنه بالنسبة للمقتصدين والسابقين، ولما تجاوز عنه من تطويل العذاب وقبول الشفاعة بالنسبة لمختلف أحوال الظالمين أنفسهم، وأثنوا على الله بأنه شكورٌ لما رأوا من إفاضته الخيرات عليهم ومضاعفة الحسنات مما هو أكثر من صالحات أعمالهم» 66.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة)67.
فعل الواجبات والمستحبات وبعض المباحات وترك المحرمات والمكروهات.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴﭵ ﭷ ﭸ ﭹ ) [فاطر:٣٢].
قال ابن كثير في الآية: الله سبحانه وتعالى جعل القائمين بالكتاب العظيم، المصدق لما بين يديه من الكتب، والذين اصطفيناهم من عبادنا، وهم هذه الأمة، مقسمين إلى ثلاثة أنواع، فقال: (ﭫ ﭬ ﭭ) وهو: المفرط في فعل بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرمات، (
ﭯ) وهو: المؤدي للواجبات، التارك للمحرمات، وقد يترك بعض المستحبات، ويفعل بعض المكروهات، (ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ) وهو: الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات والمكروهات وبعض المباحات، فالسابق بالخيرات: يدخل الجنة بغير حساب، والـمقتصد: يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه: يدخل الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه والسلام68.
وذكر سيد قطب في كتابه: « إن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية قد أكرم هذه الأمة بالاصطفاء للوراثة، ثم أكرمها بفضله في الجزاء حتى لمن أساء: (ﭫ ﭬ ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ).
فالفريق الأول: ولعله ذكر أولًا لأنه الأكثر عددا (ﭬ ﭭ) تربى سيئاته في العمل على حسناته.
والفريق الثاني: وسط (ﭯ) تتعادل سيئاته وحسناته.
والفريق الثالث: (ﭱ
ﭳ ﭴ) تربى حسناته على سيئاته، ولكن فضل الله سبحانه وتعالى شمل الثلاثة جميعًا فكلهم انتهى إلى الجنة وإلى النعيم الموصوف في الآيات التالية على تفاوت في الدرجات» 69.
علو الهمة.
همة هؤلاء عالية، يفعلون الخيرات دون كلل ولا ملل، لقوله تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜ ﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤ ﭥ) [النور:٣٧].
وقوله تعالى: (
ﯥ) [المطففين:٢٦].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي، خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خيرٌ احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) 70.
الاهتمام بالقلب.
المسارع إلى الخيرات يحرص علي تنقية القلب من الشوائب ويجعلها عامرة بذكر الله عز وجل وطالما الخوف موجود في قلوبهم، يدفعهم إلى عمل الاكثار من الصالحات، وأداء العبادات، لقوله تعالى: (ﭕ
ﭗ ﭘ ﭙ ) [المؤمنون:٦٠].
المراقبة.
المسارع إلى الخيرات يراقب الله في كل حركات هو سكناته، في السر والعلانية، لا يرضى أن يكون الله سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه، وقد وعد الله هؤلاء بجنات النعيم، لقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭷ ﭸ ﭹ) [الرحمن:٤٦-٤٧].
والمعنى:(ﭯ ﭰ ﭱ
) أي: «مقامه بين يدي ربه للحساب، فترك المعصية والشهوة، قال مجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله، فيدعها، (ﭳ) قال مقاتل يعني: جنة عدن وجنة النعيم.
وقال الضحاك: هذا لمن راقب الله في السر والعلانية بعمله، فما عرض له من محرم تركه من خشية الله، وما عمل من خير أفضى به إلى الله، لا يحب أن يطلع عليه أحد فله جنتان» 71.
ويستفاد من ذلك: حرص المؤمنين على التحلي بهذه الصفات، وعليهم أن يربوا أنفسهم ليكونوا من المسارعين في الخيرات، فعليهم الإكثار من ذكر الله، ومصاحبة المسارعين في الطاعات، واغتنام الوقت، ومعرفة قدر الدنيا بالنسبة للآخرة، والمجاهدة، وغيرها.
ثواب المسارعين في الخيرات
المؤمن الفطن يعلم أن أنفاسه معدودةٌ، وساعات إقامته في الدنيا محدودةٌ، ويدرك أن الحياة فرصٌ، من اغتنم هذه الفرص وعمل الصالحات، فاز وسعد في الدنيا والآخرة، ومن ضيعها خاب وخسر، وقد حدث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قائلًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلٍ وهو يعظه: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) 72.
والله سبحانه وتعالى يعطي كل واحد على قدر أعماله، ويكافئه ويجازيه الجزاء الحسن، كيف وإن كانوا من الحرصين كل الحرص على فعل الخيرات، بل والمسارعين إليها؟
فالأجر والثواب عظيم لهم في الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: (
ﮍ) [المؤمنون:١٠].
وهذا وعد الله سبحانه وتعالى الصادق، بل القرار الأكيد بفلاح المؤمنين، وعد الله لا يخلف الله وعده وقرار الله لا يملك أحد رده، الفلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، فلاح الفرد المؤمن وفلاح الجماعة المؤمنة، الفلاح الذي يحسه المؤمن بقلبه ويجد مصداقه في واقع حياته والذي يشمل ما يعرفه الناس من معاني الفلاح، وما لا يعرفونه مما يذخره الله لعباده المؤمنين 73.
والله مطلع على كل شيء، فلن يضيع أجر العاملين، لقوله تعالى: (
ﯲﯳ ) [آل عمران:١١٥].
والمعنى: لن يحرموا ثوابه ولن يمنعوه، وسمى إيصال الثواب شكرا في قوله: (ﮛ ﮜ ﮝ
) [البقرة:١٥٨].
ثم ختم الكلام بقوله:(
) مع أنه عالم بكل الأشياء بشارة لهم بجزيل الثواب، ودلالة على أنه لا يفوز عنده بالكرامة إلا أهل التقوى، وتنبيهًا على أن الملتزم لوعدهم هو معبودهم الحق القادر الغني الحميد الخبير الذي لا غاية لكرمه ولا نهاية لعلمه، فما ظنك بمثيب هذا شأنه ؟ 74.
وقوله تعالى: (ﯟ
ﯨ) [آل عمران:١٩٩].
يعني: (ﯟ
ﯡ) ثواب أعمالهم، ( ﯣ) يؤتونه مرتين، (ﯥ ﯨ) يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا 75.
وقوله تعالى أيضًا: (ﯜ
) [إبراهيم:٥١].
وسنتناول بيان ثواب المسارعين في الخيرات في كلٍ من الدنيا والآخرة.
أولًا: ثواب المسارعين في الخيرات في الدنيا:
لهم ثوابٌ جزيلٌ ينالونه من الخير والنصر والسعادة والهناء وراحة البال والتوفيق والمتاع الطيب في الأرض، والرحمة، والمغفرة، وهذا أقل ما يستحقونه من الله عز وجل جزاء أعمالهم.
فالمسارعة في الخير تتطلب أن يتدرج الإنسان في ازدياد المعرفة بفضله، واختياره والسرور بتعاطيه، وتقدمه على الأمور الدنيوية، وأن لا يتأخر عن أول وقت إمكان فعله للخيرات، وعلى ذلك قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ
ﮗ) [الحديد:٢١].
وقوله تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ) [آل عمران:١٣٣].
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية ندبهم إلى المبادرة للخيرات والمسارعة إلى فعلها؛ لنيل القربات، والفوز بمغفرته ورضوانه، ويحققون ما وعدهم الله عز وجل به من السعادة والهناء.
وقوله تعالى أيضًا: (ﭜ ﭝ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ) [المؤمنون:٦١].
والمعنى: السابق إلى رضوان الله تعالى، وقيل: سبقت لهم السعادة في الأزل، وقيل: سبقوا الأمم إلى الخيرات 76.
ومدح تعالى قومًا فقال عنهم في كتابه العزيز: (ﯖ
ﯘ) [الواقعة:١٠].
أي: يسابقون بهممهم وأبدانهم، فلذلك كرره، ولمراعاة المسارعة وكون بعض المسارعين أعلى منزلة من بعض 77.
وهذا المدح لكونهم استجابوا لأمر الله سبحانه وتعالى بفعل الخيرات والمسارعة والمسابقة في أدائها، فيستحقون من الله عز وجل الثواب العظيم والجزيل على ما قاموا به مغفرة لذنوبهم، وتطهيرًا لقلوبهم، لقوله تعالى: (ﮅ
) [آل عمران:١٣٦].
والمعنى: أولئك السعداء المستغفرون المتذكرون التائبون الآيبون الخائفون الراجون جزاؤهم مغفرةٌ ستر ومحو لآثامهم عطاء من ربهم وامتنانًا منه عليهم لإخلاصهم في الانابة والرجوع.
وقوله تعالى أيضًا: (
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﯔ ﯕﯖ ) [الزمر:٥٣].
ونصرًا وغلبةً على أعداء الدين، وفتحًا قريبًا من الله عز وجل لقوله تعالى: (
ﯱﯲ ﯷﯸ ) [الصف:١٣].
ولهم الخيرات بكل ما تشمله كلمة خير، لقوله تعالى: (ﭝ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭣ ﭤﭥ ﭧ ﭨﭩ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة:٨٨].
والمعنى: (
ﭧ ﭨ) يعني: «الإشارات إلى الموصوفين بالأوصاف السابقة، أي أولئك الذين كانوا مع الرسول، ولزموه في جهاده، ولم يتخلفوا عنه، وأحبوا الله تعالى وبذلوا أموالهم وأنفسهم، ولم يريدوا شيئا إلا إرضاء الله، لهم الخيرات، والخيرات جمع خير، وعبر بالجمع للدلالة على كثرة ما يمنحهم الله من خير وتنوعه، فخير في الرزق، وخير في نيل المطالب، وخير في النصرة، وخير في العزة، وخير في منع تحكم الأعداء، وخير في رضا الله تعالى، وخير في صلاح الولد، وخير في الهداية... إلى آخره من الخيرات في الدنيا، والخير الأكبر في الآخرة » 78.
وفي تكرار الإشارة إلى الرسول والمؤمنين المجاهدين في قوله تعالى: (
ﭧ ﭨﭩ ﭫ ﭬ) تأكيد للتنويه بهم، وتقرير لدرجتهم العالية، ومنزلتهم الكريمة التي أنزلهم الله إياها.. كما أن في ذلك إشارة إلى أن مقامهم هذا الرفيع الذي هم فيه، لا تبلغه الإشارة التي يقصر عنها النظر، وأنه لكي يمكن أن يرتفع النظر إلى هذا المستوى، ينبغي أن يكون ذلك على مراحل يقطعها صعودًا في الوصول إليهم 79.
وإذا ما توجهوا إلى الله عز وجل بالدعاء، أجابهم الله عز وجل وأعطاهم ما يتمنون ويستحقونه ثوابًا من عنده، وعطاءً لا ينتهي، لقوله تعالى: (
ﯶﯷ ) [آل عمران:٨].
فهم في رحمة الله عز وجل خالدون، لقوله تعالى: (
) [آل عمران:١٠٧].
ومهتدون إلى الطريق المستقيم، ألا وهو طريق الاسلام الذي هو بمنزلة نجاةٍ وفوزٍ وفلاحٍ في الدنيا والآخرة، لقوله تعالى: (
) [النساء:١٧٥].
وقوله: (
) أي: وحدوه في ربوبيته، () أي: تمسكوا بدينه أو بكتابه، وقوله: ( ) وهي الجنة، وفضلٍ: النظر لوجهه الكريم، وقيل: ( ) أي: ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله، رحمة منه، لا قضاء لحق واجب، وفضل إحسان زائد عليهما، وقيل: سيحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم به وبالعرفان في الحال، وقوله: ( ) أي: إلى الوصول إليه، ( ) وهو طريق السير الذي لا اعوجاج فيه، العلم والعمل، وقيل: هو الإسلام والطاعة في الدنيا، وطريق الجنة في الآخرة 80.
ثانيًا: ثواب المسارعين في الخيرات في الآخرة:
يجد هؤلاء في الآخرة من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد منهم، جزاءً لهم من الله سبحانه وتعالى على أعمالهم، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وقد وعدهم الله عز وجل بذلك والله لا يخلف وعده، لقوله تعالى: (ﮭ
ﯔ ﯕ ﯖ ﯝﯞ ) [التوبة:٧٢].
بشرهم الله سبحانه وتعالى بالجنات رزقًا لهم، ومكافئةً على أعمالهم، وترغيبًا للآخرين، ليفوزوا بما فاز به هؤلاء، لقوله تعالى: (ﭑ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ ﭛ ﭜﭝ ﭟ ﭠ ﭡ ﭣﭤ ﭥ ﭧ ﭨ ﭩ ﭫ ﭬ ﭭ ﭯ ﭰ ﭱ ﭳﭴ ﭵ ﭷ ﭸ) [البقرة:٢٥].
والمعنى: لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقب بجزاء المؤمنين، ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد، كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز، لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه، والتبشير: الإخبار بما يظهر أثره على البشرة، وهي الجلدة الظاهرة، من البشر والسرور، فبشرهم بالجنة، والجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح، والجنات: البساتين، وهو اسمٌ لدار الثواب كلها وهي مشتملةٌ على جناتٍ كثيرةٍ، وقوله: (
ﭟ) وصفٌ آخر للجنات، وقوله: ( ﭧ ﭨ ﭩ ) أنه شبيهه ونظيره، لا أنه هو، والمراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابهًا فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره، فيقولون: هذا الذي رزقنا من قبل، فإذا أكلوا وجدوا له طعمًا غير طعم الأول، والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا، والخلود: البقاء الدائم الذي لا ينقطع 81.
وقوله تعالى: (ﮝ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﯔ ﯕ ﯖ ﯡ) [الأنعام:١٤١].
وقوله تعالى: (ﮅ
ﮏ ﮐﮑ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران:١٣٦].
والمعنى: « لما أتم الله سبحانه وتعالى وصف السابقين وهم المتقون، واللاحقين وهم التائبون في الآيات السابقة، قال معلمًا بجزائهم الذي سارعوا إليه من المغفرة، والجنة مشيرًا إليهم بأداة البعد تعظيمًا لشأنهم على وجه معلم بأن أحدًا لا يقدر الله حق قدره، وقوله:(
ﮇ) أي: لتقصيرهم أو لهفواتهم أو لذنوبهم، وعظمها بقوله:( ﮉ) أي: المحسن إليهم بكل إحسان، وأتبع ذلك للإكرام فقال:() أي جنات، ثم بين عظمها بقوله:(ﮋ ) حال كونكم (ﮏ ﮐ) وهي أجرهم على عملهم، لقوله: ( ﮓ ﮔ) وذلك على تقدير أن الإشارة لجميع الموصوفين، وإن كانت للمستغفرين خاصة فالأمر واضح في نزول رتبتهم عمن قبلهم » 82.
وقوله تعالى أيضًا: (ﮓ ﮔ ﮕ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮛ ﮜ ﮝ ﮧ ﮨﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ) [الحديد:٢١].
أي: سابقوا أيها الناس وسارعوا إلى الأعمال الصالحة التي توجب لكم دخول جنة سعتها كسعة السماوات والأرض خالدين فيها أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، وقيل: عرضها الذي هو خلاف الطول مثل عرض السماوات والأرضين إذا وصل كل سماء بسماء وكل أرض بأرض، ثم قال:(
ﮧ ﮨ) أي: هذه الجنة التي تقدمت صفتها فضل من الله تفضل به على المؤمنين، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه، وهو ذو الفضل العظيم عليهم بما وفقهم له من الإيمان به والعمل الصالح وبسط لهم من الرزق، وعرفهم موضع الشكر 83.
وقال تعالى أيضًا: (
ﭯ ﭰ ﭱ ﭳ ﭴ ﭵ ﭷﭸ ﭹ ﭻ ﭼ) [التوبة:٨٩].
والمعنى: هذا بعض الفلاح الذي ذكره الله سبحانه وتعالى وهو أنه أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، أي أن الله تعالى أعطاهم نعيمًا فيه ثلاث خواص كلها يزكي بعضها بعضا:
أولها: أنها جنات، وهي جمع جنة فيها الأشجار التي تظل من الحرور، وتتمتع النفس برؤيتها، وبهجتها، وفيها الثمار اليانعة، وفيها من كل فاكهة ما يشتهون، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ففيها متعة النفس والجسم والروح.
الثاني: أن الأنهار تجري من تحتها تدفع الحرور، وتسقى النفوس والأجسام، ويكون التمتع ببهجتها ومنظرها.
الثالث: أنها خالدة، ففي كل نعيم غير باق يكون الألم بفنائه وانتهائه، أما نعيم الجنة، فهو للبقاء.
ختم الله تعالى الآية بقوله: (ﭹ
ﭻ) الإشارة إلى هذا النعيم المقيم، وقصر الفوز عليه، أي فلا فوز غيره، فما يحسبه في الدنيا من أسباب الفوز إنما هو باطل لا يجوز، والله تعالى أعلم بما يجزي به عباده المتقين 84.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى ما يجده هؤلاء في الجنة من النعيم الدائم في كثير من آياته وصفًا دقيقًا واضحًا مفصلًا، منها قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮉ) [فاطر:٣٣].
وقوله تعالى: (
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﯔ ﯕ ﯖ ) [الكهف:٣١].
وقوله تعالى أيضًا: (
ﮫ ﮬ ﮭ ﯔ ﯕ ﯖ ﯨ ﯩ ) [المطففين:٢٢ -٢٨].
وقوله: (ﮬ ﮭ): جائز أن يكون هذا في الآخرة، يصفهم أنهم أبدًا في نعيم، وجائز أن يكونوا في نعيم في الدنيا والآخرة معًا؛ فيكونون في الدنيا في نعيم العقول دون نعيم الأبدان، ونعيم الآخرة نعيم البدن والعقل جميعًا، فتتنعم أنفسهم وعقولهم، ولا يحملون ما تأبى أنفسهم احتماله.
وقوله: (ﮯ
ﮱ) فأرائك الجنة ليست شبيهة بالأرائك التي تتخذ في الدنيا؛ لأن أرائك الجنة مطهرة من الآفات التي هي آثار الفناء، والأريكة: هي السرير في الحجال.
وقوله: (ﯔ ﯕ ﯖ
ﯘ) أي: تعرف لو نظرت في وجوههم نضرة النعيم، فجائز أن تكون النضرة منصرفة إلى نفس الخلقة، وهو أنهم أنشئوا على خلقة لا تتغير، ولا تفنى، بل بهجة نضرة، أو تكون نضارتهم بما أنعموا من النعيم.
وقوله: (ﯚ
ﯜ) قال بعضهم: الرحيق: هو الخمر الذي لا غش فيه، وهو أن يكون مطهرًا من الآفات، وقيل: هو شيء أعده الله سبحانه وتعالى لأوليائه، لم يطلعهم على ما يتهيأ في الدنيا، فهو شراب تقر به أعينهم مما أخفي لهم إلى الوقت الذي يشربونه.
وقوله: (
ﯥ) جائز أن يكون أراد به الشراب الذي وصفه في قوله: (ﯜ )، كأنه يقول: فليرغبوا في الشراب الذي هذا وصفه، الذي لا غول فيه ولا هم ينزفون، لا في الشراب الذي يذهب بالعقول، ويضعف الأبدان، ويتلف الأموال، أو فليتنافسوا في النعيم الذي وصف هاهنا، لا في النعيم الذي ينقطع ولا يدوم.
وقيل: (
) ما بقي في الكأس من البقية يكون ذلك مسكا، والتنافس إنما يكون في المسارعة في الخيرات، وترك الاتباع للشهوات، والانتهاء عن المعاصي، وهو كقوله: (ﮇ ﮋ) [الصافات:٦١].
أي: فليكن عملهم بما يثمر لهم ما ذكر من النعيم، لا في الذي ينقطع، وتكون عقباه النار، وقوله:(
ﯨ ﯩ) قيل: التسنيم: شيء أعده الله سبحانه وتعالى لأوليائه، لم يطلعهم عليه في الدنيا، وهو من قرة الأعين التي لا تعلمها الأنفس.
وقوله: (
) أي: المقربون هم الذين يسارعون في الخيرات في الدنيا، فتركوا منى الأنفس، واتقوا المهالك والزلات، فهم المقربون، فنالوا فضل التقريب بما أجهدوا أنفسهم في الدنيا، للأمور التي فعلوها 85.
وقوله تعالى أيضًا: (ﮥ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮫ ﮬ ﮭ ﯔ ﯕ ﯖ ) [الواقعة:٧-١١].
والمعنى: أصنافًا ثلاثةً كل صنفٍ يشاكل ما هو منه، كما يشاكل الزوج الزوجة، ثم بين من هم فقال: (ﮩ
) (ﮯ ) (ﯖ)، فأصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأصحاب المشأمة هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والتكرير في (ﮫ ﮬ ﮭ). و (ﮱ ﯔ) للتفخيم والتعجيب، والمقصود تكثير ما لأصحاب الميمنة من الثواب ولأصحاب المشأمة من العقاب.
و(ﮩ
) ما هم، المعنى: أي شيء هم، هم الذين يعطون كتابهم بأيمانهم هم أصحاب التقدم وعلو المنزلة.
وقوله: (
) قد سبق الاشارة إلى معناها بالتفصيل، ونكتفي هنا بذكر أنهم السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله، ( ﯚ) من صفتهم، وقيل: إذا خرج رجلٌ من السابقين المقربين من منزله في الجنة كان له ضوءٌ يعرفه به من دونه 86.
إذًا المؤمنون حقًا هم الذين يرثون الجنة بكل ما فيها من نعيم، كما ذكر آنفًا، لقوله تعالى: (
ﮏ ﮐ ﮑ ﮓ ﮔ) [المؤمنون:١٠-١١].
موضوعات ذات صلة:
الجنة، الخير، العبادة، المسابقة
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٥٢.
2 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١/٤٨١، لسان العرب، ابن منظور ٨/ ١٥١، الصحاح، الجوهري ٣/٢٢٨، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٢٧.
3 نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٨/٣٣٨٧.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٣٤٩.
5 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢٣٠.
6 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٢٩.
7 انظر: المسارعة والمسابقة إلى الخيرات في القرآن الكريم، محمد الزغول، محمد حوى ص٦.
8 المسارعة والمسابقة إلى الخيرات في القرآن الكريم، دراسة موضوعية بيانية، د/محمد علي الزغول، د/ محمد سعيد حوى ص٧ بتصرف.
9 المصدر السابق ص ٧بتصرف.
10 نظم الدرر، البقاعي ١٩/٢٩٢.
11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٢٠٨، شمس العلوم، نشوان الحميرى ١/٤٥٣، تاج العروس، الزبيدي ١٠/١٣٧.
12 انظر: الحوافز الإيمانية بين المبادرة والالتزام، عدنان النحوي، ص١٥.
13 مختار الصحاح، الرازي ص٣١٦.
14 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٦١.
15 المفردات، الراغب الأصفاني ص٨١٨.
16 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس ١/٦٤٩.
17 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٤٨.
18 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٣٧.
19 الفروق اللغوية، العسكري ١/٢٠٤.
20 تفسير القشيري ١/ ٢٧٧.
21 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، ١/١١٠، رقم ١١٨.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب من صلى بالناس، فذكر حاجة فتخطاهم، ١/١٧٠، رقم ٨٥١.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ٤/١١٣، رقم ٣٢٢٠.
24 انظر: مفاتيح الغيب ٢٢/١٨٣.
25 تفسير السمرقندي ٢/ ٤٤٠.
26 انظر: المصدر السابق ١/٢٤٦.
27 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/ ٣٦٤، لباب التأويل، الخازن ١/ ٢٥٦.
28 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، ٣/١٥٠٩، رقم ١٩٠١.
29 انظر: ظاهرة ضعف الإيمان، محمد المنجد ١/٤٦.
30 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٣٩٧.
31 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/ ٢٣١.
32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة أحد، ٥/٩٥، رقم ٤٠٤٦.
33 انظر: موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، ياسر عبد الرحمن ١/١٦١.
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، ٤/٢٠٢١، رقم ١٩١٤.
35 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق، ٤/٢٠٢١، رقم ١٩١٤.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق ٤/٢٠٢١، رقم ١٩١٤.
37 انظر: الضياء اللامع من الخطب الجوامع، ابن عثيمين ١/١٠٣.
38 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٧/٣٣٤.
39 انظر: زاد المسير ١/ ٣٥٠.
40 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١١٦.
41 انظر: النكت الدالة على البيان، الكرجي ١/٢٣٥.
42 الكشاف، الزمخشري ١/ ٤٤٣.
43 انظر: نواهد الأبكار وشوارد الأفكار، السيوطي ٣/٩٩.
44 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/ ١١٦.
45 انظر: تفسير المراغي ٤/ ١٤٠.
46 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني، ٣/ ١٠٠٠.
47 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٣/١٨٠.
48 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/ ٤١٣.
49 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٩٢، الجدول في إعراب القرآن الكريم، محمود صافي ٦/ ٣٩٨.
50 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٧/ ٤٢٤.
51 انظر: العصبة المؤمنة بين عناية الرحمن ومكر الشيطان ١/١٦١.
52 أسباب نزول القرآن، الواحدي ص ١٩٩.
53 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٣٥.
54 انظر: فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق خان ٣/٤٥٠.
55 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/٤٦١.
56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٢٠٠.
57 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/١٧٦.
58 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/٩٠.
59 انظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري ١/ ٢٤١.
60 تفسير السمرقندي ٢/ ٤٤٠.
61 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ٢/٢٨٦.
62 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٢/١٥٦، رقم ٢٥٢٦٣، والترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة المؤمنون، ٥/٣٢٧، رقم ٣١٧٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٠٤، رقم ١٦٢.
63 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٤٧٣.
64 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ص٢٨٨.
65 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/ ٤١٣.
66 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٣١٦.
67 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٣٨٨، رقم ٣٤٦٥.
قال الترمذي حسن غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٩٧، رقم ٦٤٢٩.
68 انظر: تفسير القرآن العظيم ٦/ ٥٤٦.
69 في ظلال القرآن ٥/ ٢٩٤٤.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، ٤/٢٠٥٢، رقم ٢٦٦٤.
71 انظر: الوسيط، الواحدي ٤/ ٢٢٥.
72 أخرجه النسائي في الكبرى، ١٠/٤٠٠، رقم ١١٨٣٢، والحاكم في المستدرك، ٤/٣٤١، رقم ٧٨٤٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٤٤، رقم ١٠٧٧.
73 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٤٥٤.
74 انظر: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري ١/ ٢٤١.
75 انظر: تفسير الجلالين، المحلي والسيوطي ص ٩٦.
76 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/ ١٤٨، معالم التنزيل، البغوي ٥/ ٤٢٢.
77 تفسير الراغب الأصفهاني ٢/٨٠٩.
78 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٤٠٥.
79 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٥/٨٦٣.
80 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ١/٥٩٩، روح البيان، إسماعيل حقي ٢/ ٣٣٣.
81 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٦٥.
82 نظم الدرر، البقاعي ٥/٧٥.
83 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/ ٧٣٢٨.
84 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٤٠٦.
85 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١٠/٤٦٣.
86 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٠٠.
موضوعات ذات صلة
https://modoee.com/books/icons/337_20190628053743.png
https://modoee.com/books/icons/369_20190628080321.png
https://modoee.com/books/icons/563_20190629023846.png
https://modoee.com/books/icons/552_20190629014549.png
مساعدة
دعم
تواصل معنا

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الجامع لأحكام الجنائز {ج 2 و ج 4.}في سؤال وجواب المؤلف ندا أبو أحمد

  2ـ المشروع والممنوع بعد الوفاة M إن الحمد لله تعالى نحمده     ونستعينه   ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ...